
-
- Author, صوفيا بيتّيتسا
- Role, مراسلة شؤون الصحة العالمية في ترييستي، إيطاليا
-
قبل 3 دقيقة
كانت إستير تنام في شوارع لاغوس عندما اقتربت منها امرأة تعدها بطريق للخروج من نيجيريا إلى وظيفة ومنزل في أوروبا.
كانت تحلم بحياة جديدة، خصوصاً في بريطانيا، وبعد أن طردت من منزل للرعاية البديلة كان يسوده العنف وسوء المعاملة، ولم يكن لديها ما يدفعها للبقاء، لكن عندما غادرت لاغوس عام 2016، عابرةً الصحراء إلى ليبيا، لم تكن تدرك أنها مقبلة على رحلة مليئة بالصدمات، ستجبر خلالها على العمل في الجنس وتمضي سنوات تتنقل بين عدة دول طلباً للجوء.
ورغم أن الرجال يشكلون الغالبية بين المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء، بنسبة تبلغ 70 في المئة بحسب وكالة اللجوء الأوروبية، فإن عدد النساء اللواتي يصلن إلى أوروبا لطلب الحماية، مثل إستير، يتزايد باستمرار.
وتوضح إيريني كونتوغيانيس من لجنة الإنقاذ الدولية في إيطاليا أن عدد النساء اللواتي يسافرن وحدهن يتزايد عبر البحر المتوسط أو عبر طريق البلقان. ويشير تقرير المنظمة لعام 2024 إلى ارتفاع بنسبة 250 في المئة في عدد النساء البالغات غير المتزوجات اللواتي وصلن إلى إيطاليا عبر البلقان، إضافة إلى زيادة بنسبة 52 بالمئة في عدد العائلات.
طرق الهجرة شديدة الخطورة، وقد سجّلت المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي 3,419 وفاة أو اختفاء لمهاجرين في أوروبا، وهو أعلى رقم على الإطلاق. لكن النساء يواجهن خطراً إضافياً يتمثل في العنف الجنسي والاستغلال، كما حدث مع إستير التي خذلتها المرأة التي وعدتها بالنجاة. تقول إستير: "حبستني في غرفة وأدخلت رجلاً اغتصبني بالقوة. كنت ما زلت عذراء. هذا ما يفعلونه، يطوفون القرى في نيجيريا لاصطياد الفتيات الصغيرات وجلبهن إلى ليبيا لاستعبادهن جنسياً".
وتوضح أوجوتشي دانيلز من المنظمة الدولية للهجرة أن تجربة النساء "مختلفة وغالباً أكثر خطورة. حتى اللواتي يسافرن ضمن مجموعات يفتقرن عادة إلى حماية دائمة، مما يجعلهن عرضة للإساءة من المهربين والمتاجرين بالبشر أو حتى من مهاجرين آخرين".
تعرف كثير من النساء هذه المخاطر، ومع ذلك يواصلن الرحلة. يحملن الواقيات الذكرية معهن أو يتناولن وسائل منع الحمل مسبقاً تحسباً للاغتصاب أثناء الطريق.
وتقول هيرمين غبدو من شبكة ستيلا بولاري لمكافحة الاتجار بالبشر: "المهاجرون يدفعون المال للمهرب، لكن غالباً ما يُتوقع من النساء دفع جزء من الثمن بالجنس". وتعمل غبدو على دعم النساء المهاجرات في مدينة ترييستي شمال شرقي إيطاليا، وهي نقطة دخول رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي لمن يعبرون من البلقان، ومنها يتجه كثيرون إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
صدر الصورة، Barbara Zanon/Getty Image
وبعد 4 أشهر من التعرض للاستغلال في ليبيا، هربت إستير وعبرت البحر المتوسط في قارب مطاطي، حيث أنقذها خفر السواحل الإيطالي ونُقلت إلى جزيرة لامبيدوزا.
وقد تقدمت بطلب اللجوء 3 مرات قبل أن تمنح صفة اللجوء.
وغالباً ما ترفض طلبات اللجوء القادمة من دول تصنَّف آمنة، لكن في ذلك الوقت كانت إيطاليا تعتبر نيجيريا دولة غير آمنة. وقد تغير هذا التقييم قبل عامين، بعدما بدأت الحكومات الأوروبية تشديد قوانينها استجابة لتدفق كبير للمهاجرين خلال عامي 2015 و2016، ومنذ ذلك الحين تعالت المطالب بمزيد من القيود على اللجوء.

يقول نيكولا بروكاتشيني، عضو البرلمان عن حكومة جورجيا ميلوني اليمينية: "من المستحيل استيعاب الهجرة الجماعية، لا توجد طريقة لذلك"، مضيفاً: "يمكننا توفير حياة آمنة للنساء اللواتي هن فعلاً في خطر، لكن ليس للجميع".
ويحذر راكيب إحسان، الباحث الأول في مركز السياسات المحافظة بوليسي إكستشينج: "علينا أن نكون عقلانيين"، ويضيف: "نحتاج إلى إعطاء الأولوية للنساء والفتيات اللواتي يواجهن خطراً مباشراً في مناطق النزاع، حيث يستخدم الاغتصاب كسلاح حرب". ويشير إلى أن هذه الأولوية لا تُطبَّق بانتظام حالياً، ومع أنه يتعاطف مع معاناة النساء اللواتي يجازفن للوصول إلى أوروبا، فإنه يرى أن "المفتاح هو التعاطف المنضبط".
مع ذلك، كثير من النساء اللواتي يأتين من دول تعدّ آمنة يؤكدن أن الانتهاكات التي تعرضن لها بسبب كونهن نساء جعلت الحياة في بلدانهن الأصلية غير محتملة.
وكان هذا حال نينا، امرأة في الثامنة والعشرين من كوسوفو.
وتقول: "يعتقد الناس أن كل شيء على ما يرام في كوسوفو، لكن هذا غير صحيح، فالأوضاع رهيبة بالنسبة للنساء".
وتقول نينا إنها وشقيقتها تعرضتا للاعتداء الجنسي من شريكيهما اللذين أجبراهما على ممارسة الجنس مقابل المال. ويذكر تقرير صدر عام 2019 عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن 54 في المئة من النساء في كوسوفو تعرضن لعنف نفسي أو جسدي أو جنسي من شريك حميم منذ سن الخامسة عشرة.
ويمنح القانون النساء اللواتي يواجهن اضطهاداً قائماً على النوع الاجتماعي حق طلب اللجوء بموجب اتفاقية إسطنبول التابعة لمجلس أوروبا، وهو ما أكدته أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي بحكم تاريخي صدر العام الماضي. وتعرف الاتفاقية العنف القائم على النوع الاجتماعي بأنه نفسي وجسدي وجنسي، ويشمل ختان الإناث.
مع ذلك، تشير منظمات خيرية إلى أن تطبيق هذه المعايير لا يزال غير منتظم. وتقول ماريان نجينا كانا، مديرة شبكة "إند إف جي إم" الأوروبية المناهضة لختان الإناث، إن عدداً كبيراً من موظفي اللجوء هم من الرجال وغير مدربين بما يكفي على التعامل مع هذه القضايا الحساسة من الناحية الطبية والنفسية. وتوضح أن كثيراً من النساء تُرفض طلباتهن بناءً على افتراض خاطئ مفاده أنه بما أنهن خضعن للختان بالفعل، فإنهن لا يواجهن خطراً جديداً.
وتضيف: "قال بعض القضاة إنكِ مشوهة بالفعل، وبالتالي ليس من الخطر أن تعودي إلى بلدك، لأنهم لن يتمكنوا من فعل ذلك بك مرة أخرى".
صدر الصورة، International Rescue Committee
وفي ما يتعلق بالعنف الجنسي، ترى كارينزا أرنولد من منظمة "ويمين فور ريفيوجي ويمين" الخيرية في المملكة المتحدة أن إثبات هذا النوع من الانتهاكات غالباً ما يكون صعباً، لأنه لا يخلّف العلامات نفسها التي يتركها التعذيب الجسدي، كما أن المحرمات والحساسية الثقافية المحيطة بقضايا النساء تزيد الأمر تعقيداً.
وتوضح: "كثيراً ما تُسرّع الإجراءات بحق النساء، وقد لا يكشفن عن تعرضهن للعنف الجنسي أمام ضابط الهجرة الذي التقينه للتو".
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة لبي بي سي بأن معظم الانتهاكات ضد النساء تحدث خلال الرحلة نفسها. وتقول أوجوتشي دانيلز: "تهرب النساء غالباً من عنف جنسي يمارسه شركاؤهن في بلدانهن الأصلية، ثم يواجهن العنف ذاته مجدداً أثناء الطريق".
هذا ما حدث مع نينا وشقيقتها خلال محاولتهما الهروب من شريكيهما في كوسوفو نحو حياة جديدة في إيطاليا.
فخلال عبورهما مع نساء أخريات عبر غابات أوروبا الشرقية، بعيداً عن أعين السلطات، أفادتا بأنهما تعرّضتا لاعتداءات على يد مهاجرين ذكور ومهربين.
تتذكر نينا: "حتى في الجبال، وسط الظلام، كانت الصرخات تسمع. كان الرجال يقتربون بمصباح، يسلطونه على وجوهنا، يختارون من يريدون، ويأخذونها إلى عمق الغابة، وفي الليل كنت أسمع أختي تبكي وتتوسل طلباً للمساعدة".
أخبرت نينا وشقيقتها السلطات الإيطالية بأن شريكيهما السابقين سيقتلانها إذا عادتا إلى بلدهما، وفي النهاية منحتا حق اللجوء. أما إستير، فاستغرقت معركتها للحصول على صفة اللاجئ وقتاً أطول بكثير. فقد تقدمت بطلب اللجوء لأول مرة في إيطاليا عام 2016، ثم تنقلت بعد انتظار طويل إلى فرنسا ومنها إلى ألمانيا، حيث رفضت طلباتها بموجب لائحة دبلن التي تشترط أن يقدم طالب اللجوء طلبه في أول دولة أوروبية يصل إليها. وفي النهاية، منحت صفة اللاجئة في إيطاليا عام 2019.
وبعد نحو عقد على مغادرتها نيجيريا، تتساءل إستير اليوم عما إذا كانت حياتها الحالية في إيطاليا تستحق كل ما تحملته للوصول إليها، وتقول: "لا أدري حتى لماذا جئت إلى هذا المكان".
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير

