اخبار العرب -كندا 24: الخميس 25 ديسمبر 2025 12:27 صباحاً دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يُعد الفنان العراقي منتظر الحكيم صوتًا بصريًا بارزًا في المشهد التشكيلي المعاصر، يمزج بين التجربة الشخصية والذاكرة الجماعية العراقية.
تجاوز الحكيم حدود القماش التقليدي، مستخدمًا الضوء والصوت والخشب ثلاثي البعد، ليحوّل لوحاته إلى تجارب مكانية وفكرية تحمل بعدًا إنسانيًا ومساحة نابضة بالحياة.
أكّد الحكيم في مقابلة مع موقع CNN بالعربيّة، أنّ أعماله ليست موضوعًا يُعالج بوعي مباشر، بل حالة شعورية متكاملةـ فهو يتعامل مع اللوحة كمساحة حسّية، محوّلا التجربة الشخصية وذاكرة بلاده إلى أثر بصري نابع من الإحساس قبل الفكرة.
وعن اختيار اللون والخامة، قال الحكيم: "اللون والخامة والفراغ ليست عناصر جمالية فقط، بل حوامل شعورية تحاول أن تلامس قلب وضمير المتلقي. لا أسعى إلى استعادة حدث أو سرد حكاية، بقدر ما أترك للوحة أن تستدعي المشاعر ليجد فيها المتلقي صدى حتى وإن لم يفهمها. فالخامة بالنسبة لي ليست وسيلة تنفيذ فقط، بل شريكًا فكريًا في العمل الفني. أنا لا أختار المادة لأنها 'مناسبة'، بل لأنها تحمل ذاكرة ومقاومة وصوتًا خاصًا. أحيانًا الملمس وحده يفرض إيقاع الفكرة: خشونة سطح، تشقق لون، أو ثقل مادة.. هذه التفاصيل تخلق شعورًا لا يمكن للفكرة المجردة أن تثيره وحدها"
.

اعتبر الحكيم أنّ العمل يبدأ غالبًا بسؤال إحساسي لا ذهني: كيف يجب أن يُلمَس هذا العمل؟ وعندما يجد أن المادة تملك إجابة أقوى من الفكرة نفسها، يترك لها القيادة، فهو يختار المادة عندما تخدم المعنى، ويتبعها عندما تكشف معنى لم يكن يبحث عنه أصلاً.
وأشار إلى أن خروجه عن الحدود التقليدية للوحة جاء من إدراكه أن القماش أحيانًا يُقيّد الحكاية أو الإحساس، وأن بعض الأعمال تحتاج إلى حركة، إلى مساحة أكبر، أو إلى دمج وسائط متعددة كالضوء والصوت والخشب، لتتحول اللوحة إلى تجربة مكانية وفكرية متكاملة، تتنفس مع المشاهد وتحتضن المكان.
وشرح أن تقنية الخشب ثلاثي الأبعاد تمنح أعماله عمقًا ملموسًا، يتيح له اللعب بالارتفاع والانخفاض والملمس والظل، ما يجعل المشاهد يشعر بأن العمل حي ويتنفس، مضيفًا أن عدم الاكتمال والتشققات والفراغات هي جزء من جماليات العمل الفني، إذ تعكس الحزن والضعف، وفي الوقت نفسه القوة والصمود، لتمنح العمل بعدًا إنسانيًا وروحيًا يدفع المشاهد للتوقف والتفاعل.
وعن تجربة الرسم على الكتب، قال الحكيم: "الكتاب بالنسبة لي قطعة تاريخية وفنية في آن واحد. وبما أن العراق بلد الكتابة والتاريخ والحضارة، وللأسف كمية هائلة من الكتب تُرمى في المخازن، أرى في الرسم عليه فرصة لإعادة إحيائه وتخليده. أتعامل مع الكتاب ليس فقط كجسد بصري، بل كذاكرة محمّلة بالمعنى، وأضع لمساتي الفنية لتتحول صفحاته إلى حوار بين الماضي والحاضر، بين التاريخ والخيال، وبين ما يُرى وما يُحسّ داخليًا".

وأوضح أنّه حين يرسم فوق النصوص، لا يسعى لمحوها بالكامل، بل لمحاورتها وإعادة صياغتها بصريًا. فالكلمة بالنسبة له عنصر بصري وروحي يحمل تاريخًا ومعنىً، وعبر الرسم تتحوّل إلى لغة جديدة تتداخل مع اللون والشكل، فهو يعيد كتابتها بصريًا بطريقة تمنحها حياة ثانية.
وأضاف: "اختياري للكتب مقصود دومًا؛ أبتعد عن الكتب الدينية وأركز على اختيارها بما يخدم الفكرة التي أرسم من أجلها. على سبيل المثال، عند عملي على لوحة عن فلسطين بالظلال استخدمت كتبًا سياسية ومزقت أوراقها لتوضيح التناقض بين ما كتب فيها وما فعلوه تجاه غزة. وعندما تكون الفكرة ثقافية، أختار الكتب الثقافية لتصبح صفحاتها حوارًا بصريًا ومعرفيًا داخل العمل الفني".
ولفت الحكيم إلى أن ملحمة "جلجامش" التي تمثل مصدرًا ثقافيًا مهمًا له، باعتبارها أقدم قصة مكتوبة في التاريخ، وجذورها تعكس صميم الكتابة الإنسانية. وأوضح أنه تناول الملحمة في أعماله مرات عدّة، منها لوحة زيتية عملاقة بعنوان مائدة الخلود، تُظهر جلجامش وأنكيدو جالسين إلى طاولة واحدة، لتجسيد قوة الصداقة، إضافةً إلى عرض كامل للقصة في معرض إكسبو 2020 دبي، حيث رسمها باستخدام خط واحد متصل يروي الأحداث تدريجيًا.
كما شدّد الحكيم على أن مسؤولية الفنان التشكيلي العراقي اليوم تتجاوز التوثيق وحده، فهي تتطلب أن يكون شاهدًا واعيًا على واقعه، يحوّل الألم والذاكرة إلى أسئلة بصرية عميقة، ويحافظ على هوية صادقة، مقاوِمًا التفاهة والبساطة المفرطة، ومقدمًا فناً ذات قيمة وعمق.
وأكد أن الفنان يجمع بين التوثيق والمقاومة ضد النسيان، وبين إعادة تخيّل الواقع بطريقة تثير التساؤل، فتتحول اللوحات إلى جسور بين التاريخ والمعاصرة، وبين الألم والأمل، وبين الواقع والخيال.
وعمّا إذا كان الفرح خجولًا في أعماله، أكّد منتظر الحكيم أن الفرح موجود بصور متعددة، غالبًا بصيغة الأمل، حيث يضع أحيانًا نبتة أو شعاع ضوء يرمز إلى بصيص من السعادة، مؤكدًا أن الفرح في الفن ليس مجرد ابتسامة، بل شعور يترك أثرًا ويجعل المتلقي يتأمل في الحياة من زاوية مختلفة. وأوضح أن نهاية العمل الفني ليست نهاية الرسالة، بل بداية تساؤلات جديدة، ليصبح الحوار بين الفنان والمتلقي والفكرة عملية مستمرة ومتجددة.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير





