اخبار العرب -كندا 24: الأربعاء 24 ديسمبر 2025 11:15 صباحاً في فيلمه القصير «الأراضي الفارغة»، الفائز بجائزة «اليُسر الفضّية للفيلم القصير» ضمن الدورة الخامسة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، يقدّم المخرج وكاتب السيناريو المصري كريم الدين الألفي عملاً سينمائياً ينتمي إلى عالم متخيَّل، لكنه مشحون بإحالات واضحة إلى واقع نعرفه جيداً؛ عالم لا يُسمّي الأشياء بأسمائها المباشرة، لكنه يضع المشاهد أمام بنية كاملة من الخوف والاقتلاع والإنكار، ويتركه يكتشف بنفسه ما يُراد قوله.
تدور أحداث الفيلم حول «غوستاف»، الضابط المخلص، وزوجته «آنّا»، اللذين يحصلان على منزل مدعوم من الدولة في منطقة تُعرف باسم «الأراضي الفارغة». المنزل كانت تسكنه في السابق عائلة مهجّرة تصفها الدولة بـ«البرابرة»، ومع العثور على آثار لطفلة مفقودة من العائلة السابقة، يبدأ القلق في التسرّب إلى حياة الزوجين.
فكرة الفيلم وُلدت خلال فترة إقامة كريم الدين الألفي في الولايات المتحدة للدراسة، كما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ففي مدينة لوس أنجليس بدأ التفكير في ثيمات الاستعمار والاستيطان، وهي أفكار مستوحاة من مشاهد متكررة في المنطقة العربية، إلا أن الألفي لم يكن معنياً بتقديم معالجة مباشرة أو واقعية لهذه القضايا، فاختار أن يضعها داخل عالم موازٍ، بلا زمن محدد أو جغرافيا واضحة، يسمح له بتركيز الفكرة وتجريدها من التفاصيل المألوفة، حتى تظهر في صورتها الأكثر قسوة ووضوحاً.
رحلة كتابة «الأراضي الفارغة» لم تكن مستقيمة، فالألفي كان يعمل في البداية على مشروع مختلف تماماً، قبل أن يجد نفسه منغمساً في كتابة هذا الفيلم، فالكتابة بالنسبة له عملية مفتوحة على التغيير والشك، وغالباً ما يصل إلى لحظة يشعر فيها بعدم الرغبة في استكمال مشروع ما، أما في هذا العمل تحديداً، فاستغرقت الكتابة نحو 4 إلى 5 أشهر، تلتها مرحلة التحضير للتنفيذ.
ورغم أن التصوير نفسه لم يستغرق وقتاً طويلاً، إذ أُنجز في أقل من أسبوعين، فإن التحديات التنفيذية كانت كبيرة، كما يؤكد، فالفيلم ينتمي إلى زمن غير محدد، أقرب إلى حقبة تعود إلى ما يقرب من 80 عاماً أو أكثر، وهو ما فرض دقة شديدة في التفاصيل البصرية، كل شيء كان يجب أن يبدو منتمياً إلى هذا العالم؛ الجدران، والإكسسوارات، والبيوت، والفراغات، لذا جاء خلق هذا العالم من الصفر عبئاً إضافياً على فريق العمل، فوق التحديات المعتادة لأي تصوير سينمائي.
زادت الصعوبة مع اختيار لوس أنجليس موقعاً للتصوير. فالمدينة كما يشير المخرج بحكم كونها من آخر مناطق الامتداد داخل الولايات المتحدة لا تضم عدداً كبيراً من المباني القديمة التي تعود إلى عشرينات أو ثلاثينات القرن الماضي، لذلك كان البحث عن أماكن مناسبة محدوداً ومعقّداً، واضطر فريق الإنتاج إلى استغلال مواقع غير تقليدية، مثل المصانع أو جدران بعينها، لإعادة تشكيل الفضاء البصري بما يخدم العالم الذي يريده الفيلم.
اختيار الممثلين تم داخل الولايات المتحدة أيضاً. وبعد المرور على عدد كبير من الأسماء، جاءت الترشيحات النهائية عبر علاقات داخل الوسط السينمائي، قبل إجراء تجارب أداء انتهت باختيار غراتيلا برانكوسي، ومايكل مونستريو، وجيسيكا داموني، بناءً على قناعة المخرج بقدرتهم على تجسيد الشخصيات داخل هذا العالم المتخيَّل.
على مستوى الإنتاج، تواصل الألفي مع شركات من المنطقة العربية، مستفيداً من تجربته السابقة في مسلسل «نسر السين» الذي أنجزه قبل سفره، هذا العمل السابق شجّع، كما يقول الألفي، المنتجين على الدخول في المشروع، إلى جانب إعجابهم بالنص نفسه، ورغم التفكير في التقديم إلى صناديق دعم ومهرجانات، فإن ضيق الوقت حال دون ذلك، خاصة أن الفيلم أُنجز في إطار أكاديمي بوصفه مشروعاً للتخرج في الجامعة في آخر فصل دراسي بجامعة «جنوب كاليفورنيا»، الأمر الذي فرض التزاماً زمنياً صارماً لم يسمح بالتأجيل أو انتظار فرص تمويل إضافية.
اختيار اللغة الإنجليزية للفيلم لم يكن قراراً تقنياً، بل هو جزء أساسي من رؤيته، فالألفي يرى أن القضايا التي يناقشها الفيلم مفهومة ومعروفة لدى الجمهور العربي، بينما التحدي الحقيقي يكمن في أن يراها جمهور غربي، وأن يواجه وجهة نظر قد لا تكون مطروحة أمامه كثيراً، لذلك كان تقديم الفيلم بالإنجليزية وسيلته الأساسية للوصول إلى هذا الجمهور، وفتح مساحة للنقاش خارج الدائرة المعتادة.
في تعامله مع الممثلين، كان كريم الدين الألفي حريصاً على أن تأتي الأداءات هادئة ومضبوطة، من دون انفعالات زائدة أو مباشرة، فالعالم الذي يقدّمه الفيلم قائم على التوتر الكامن، لا على الانفجار الدرامي، لذلك ركّز في توجيهاته على التفاصيل الصغيرة؛ النظرات، والصمت، والإيقاع الداخلي للشخصيات، وكيف يمكن للخوف أن يظهر من خلال السكون أكثر مما يظهر عبر الكلام، فكان مهماً بالنسبة له أن يشعر الممثلون بثقل الماضي غير المرئي الذي يملأ المكان، وأن ينعكس ذلك على تصرّفاتهم اليومية، لا باعتباره رعباً معلناً، بل قلقاً يتسلّل تدريجياً إلى الحياة العادية.
وعن فوز «الأراضي الفارغة» بجائزة «اليُسر الفضّية للفيلم القصير» في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، يقول الألفي إنه محطة مهمة في مسار الفيلم، ليس فقط على مستوى التقدير، بل على مستوى الوصول إلى جمهور أوسع، فبالنسبة له، يمثل «البحر الأحمر» مساحة حقيقية لعرض تجارب سينمائية مختلفة، ونافذة مهمة للأفلام التي تحاول أن تطرح أسئلة فكرية وجمالية خارج القوالب السائدة.
ويتوقف الألفي عند طبيعة المهرجان نفسه، معتبراً أنه بات يلعب دوراً متنامياً في المشهد السينمائي بالمنطقة، من حيث التنظيم، والاهتمام بالأفلام القصيرة، وإتاحة مساحة للأصوات الجديدة، مؤكداً أن فوز الفيلم بالجائزة لم يكن مجرد تتويج، بل هو تأكيد على أن هذه النوعية من السينما تجد مكانها وحوارها داخل مهرجان عربي كبير.
وعن مشاريعه المقبلة، يشير كريم الدين الألفي إلى أنه لا يزال مهتماً بالاشتباك مع قضايا عدة، لافتاً إلى أنه بصدد التحضير لمشروعه الروائي الطويل الأول.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير




