اخبار العرب -كندا 24: الأحد 21 ديسمبر 2025 03:15 صباحاً في مسيرة بعض الممثلين، تأتي الأدوار المهمّة في وقت متأخر، وهو ما حصل مع الممثلة السعودية خيرية نظمي، بطلة فيلم «هجرة»، التي تحدَّثت بشفافية لـ«الشرق الأوسط»، قائلةً: «حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين»، مُعبّرةً عن سعادتها الغامرة بهذه التجربة التي نقلتها إلى منطقة مختلفة، بوصفها ثمرة رحلة طويلة من التراكم الفنّي والتجربة الإنسانية.
بطولة «هجرة» جاءت في مرحلة شعرت فيها خيرية بأنّ علاقتها بالتمثيل أصبحت أوضح وأكثر هدوءاً. وتتحدَّث عن هذه التجربة بثقة، مؤكدةً أن مرحلة ما بعد الخمسين حوَّلت العمر من مجرّد رقم إلى رصيد من المشاعر والمواقف والقدرة على قراءة الشخصيات بعمق، ممّا غيّر زاوية نظرها للأمور، وجعل اختياراتها أكثر وعياً ومسؤولية.
وللمرة الأولى، سارت خيرية نظمي على السجادة الحمراء في مهرجانات عالمية بصفتها نجمة سينمائية عبر بطولتها فيلم المخرجة شهد أمين «هجرة»، الذي كان عرضه العالمي الأول في مهرجان البندقية، وهناك حصد جائزة «نيتباك» لأفضل فيلم آسيوي، ثم واصل حضوره في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» بجدة، ليفوز بجائزتين هما «جائزة اليسر من لجنة التحكيم» وجائزة «فيلم العلا لأفضل فيلم سعودي».
خيرية، التي التقتها «الشرق الأوسط» في «البحر الأحمر»، تُشير إلى أن الفرق بين الأدوار الرئيسية وتحمُّل بطولة كاملة يكمُن في الإيقاع اليومي للتصوير، وفي الالتزام الجسدي والنفسي المستمرّ، قائلةً: «التصوير في (هجرة) امتد ساعات يومياً، وعلى مدى شهرين ونصف الشهر تقريباً، وهو ما تطلَّب جهداً مضاعفاً، وانغماساً كاملاً في الشخصية». هذا التعب، كما تصفه، أثمر لاحقاً مع خروج الفيلم إلى الجمهور، وظهور ردود الفعل في العروض الأولى، والإشادات التي ركّزت على الأداء والنظرة والتعبير الصامت.
قبل «هجرة»، رسَّخت خيرية حضورها في الأعمال الكوميدية، وتتوقَّف عند هذه المرحلة بكونها مدرسة أساسية في مسيرتها، تعلَّمت خلالها الإيقاع، والتوقيت، والقدرة على التقاط التفاصيل الصغيرة. وتستذكر تجربتها في مسلسل «سكة سفر» من خلال شخصية «بركة»، التي تقول إنها كانت قريبة من روحها، وتفاعلت معها بعفوية عالية. تبتسم وهي تتحدَّث عن «بركة»، مضيفةً: «هذه الشخصية خرجت مني بشكل تلقائي»، موضحةً أنها تعاملت مع النص بطاقة مفتوحة، وسمحت للارتجال بقيادة كثير من اللحظات. هذا التفاعل العفوي، كما ترى، وصل إلى الجمهور السعودي والعربي، وصنع حالة قبول واسعة، وأكد قدرتها على حمل الدور الكوميدي وصناعة شخصية تعيش خارج إطار الحلقة.
وتشير إلى أنّ «سكة سفر» شكّل إحدى أبرز تجاربها، ضمن مسار متنوّع سبقها، مؤكدةً أنّ انغماسها في الكوميديا أثبت نجاحه، وساعدها على بناء علاقة مباشرة مع الجمهور، وهي مرحلة منحتها ثقة إضافية، ووسَّعت أدواتها، إذ ترى أنّ الكوميديا فنّ يحتاج إلى حسّ داخلي عالٍ وصدق في الأداء.
في تلك المرحلة، كانت خيرية تتطلَّع إلى تنويع أدوارها، وتؤمن بأن التنقّل بين الأنواع يكشف عن جوانب مختلفة من الموهبة، ويمنح الممثل فرصة أوسع للتجريب. هذا التطلُّع قادها إلى أدوار تحمل ثقلاً مختلفاً، وتضعها أمام تحدّيات جديدة، خصوصاً في الدراما، وهو ما وجدته في فيلم «هجرة»، إذ انتقلت إلى منطقة أكثر كثافة، ودور يعتمد على الحضور الداخلي أكثر من الحوار المباشر.
في «هجرة»، قدَّمت شخصية «ستي»، الجدّة التي تعتزم الذهاب إلى الحج برفقة اثنتين من حفيداتها، وفي أثناء الرحلة تضيع إحداهن، فتتحمّل مسؤولية البحث عنها. وهي شخصية مركّبة، حازمة في ظاهرها، قوية في مواقفها، وتحمل في داخلها ضعفاً إنسانياً واضحاً. وتصف خيرية هذا التركيب بأنه «تحدٍّ حقيقي، لأنّ التوازن بين الصلابة والانكسار يحتاج إلى وعي نفسي دقيق، وقدرة على الإمساك بالتفاصيل الصغيرة».
وتضيف: «كثير من المَشاهد اعتمد على النظرة أكثر من الكلمة، وعلى الصمت أكثر من الحوار»، مؤكدةً أنّ ذلك جاء نتيجة مباشرة للتدريب والتحضير المُسبَق. وتولي خيرية أهمية كبيرة لمرحلة التحضير، مشيرةً إلى أنّ وجود المُخرجة شهد أمين، وحرصها على بناء الشخصية من الداخل إلى الخارج، صنعا فارقاً واضحاً في الفيلم الذي اختارته المملكة لتمثيلها في سباق «الأوسكار» لعام 2026.
تتوقف خيرية عند تفصيل صغير، وتبتسم وهي ترويه، موضحةً أنّ المخرجة طلبت منها تخفيف الرَّمش، لأن الكاميرا الكبيرة تلتقط كل حركة. في البداية، شعرت بالغرابة، ثم عادت إلى البيت وهي تفكر في وجهها، وفي عادات ملامحها، وفي تفاصيل تؤدّيها تلقائياً. وتضحك وهي تقول إنّ عضلات وجهها اعتادت الابتسامة حتى في لحظات السكون، كأنّ الوجه تعلَّم هذا التعبير مع الزمن.
وتؤكد أن شخصية «ستي» احتاجت إلى وجه جامد، ونظرة ثابتة، وحضور صامت يخلو من أي ليونة. التحكُّم في رمشة العين، كما تقول، تحوّل إلى تمرين يومي ومحاولة واعية للسيطرة على فعل طبيعي، مضيفةً: «هذه التجربة جعلتني أدرك أنّ التحكُّم في النظرة يكشف عن جوهر الممثل أكثر من التحكُّم في الكلام أو الحركة، لأنّ العين تفضح الإحساس قبل أن يُقال».
عند الحديث عن التوحُّد مع الشخصية، تتحدَّث خيرية عن علاقتها بالألم الشخصي، وتقول: «كلّ إنسان يحمل في داخله تجارب موجعة». وتستدعي هذه التجارب خلال الأداء، بما يمنح المشهد صدقاً داخلياً ويجعل التعبير أقرب إلى الواقع. كما توضح أنّ هذا الإحساس رافقها بعد انتهاء التصوير، مع استمرار جولات الفيلم في المهرجانات، وردود الفعل التي تلقتها من الجمهور.
وعن المرحلة المقبلة، تتحدَّث بنبرة هادئة وحاسمة، مؤكدةً أنّ خياراتها تتّجه نحو أدوار تحمل عمقاً حقيقياً، وتمنحها فرصة لاكتشاف مساحات جديدة في أدائها، قائلة: «كلّما كان الدور أقوى، ازدادت حماستي له، لأني أرى في التحدّي جوهر التجربة الفنية».
وتتوقّف عند تقييمات المخرجين والمنتجين، التي تعدّها مرآة مهمّة لتطورها، مشيرةً إلى أنّ أحدهم قال لها إنّ من أبرز نقاط قوتها قدرتها على خلق طبقات متعدّدة من الحزن والفرح، بما يمنح المخرج مرونة كبيرة في بناء المشهد، سواء احتاج إلى إحساس هادئ، أو دمعة واحدة، أو انفعال كامل.
وفي ختام حديثها، تعود خيرية إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات، وترى أنّ هذا الشعور انعكس على أدائها، ومنحها حضوراً أكثر هدوءاً وثباتاً أمام الكاميرا. هذا السلام، في رأيها، يرتبط بمرحلة نضج إنساني يصل إليها الإنسان بعد رحلة طويلة من التجربة، وفي هذه المرحلة يصبح التعبير أكثر صدقاً، ويصبح الصمت أبلغ، وتصل الأدوار في توقيتها الصحيح.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير





