اخبار العرب -كندا 24: الخميس 18 ديسمبر 2025 07:27 صباحاً هذا المقال بقلم سامية عايش، صحفية مستقلة تكتب عن السينما العربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
"وكأنها فارقت الحياة بالأمس". هذا ما فكرت فيه بعد نهاية فيلم "الست"، الذي يقدم سيرة ذاتية مستوحاة من حياة السيدة أم كلثوم. خانتني الدموع، وكأنني عايشت هذه السيدة في زمنها، وتأثرت بكل ما قدمته من فن و"دفعة" وطنية للشعب المصري والعرب.
لست بصدد مراجعة الفيلم، فقد نجح في أن يكون واحداً من أعظم الأفلام العربية التي قدمت سيرة ذاتية بصورة عامة، وسيرة للسيدة أم كلثوم بصورة خاصة، إذ قُدِّمت قبله عدة أعمال، كانت تحاول محاكاة جوانب متعددة من حياة العملاقة المصرية، ولكن ما لامسه هذا الفيلم وكيف يمكن أن نعكسه على واقعنا الحالي يستحق بعض السطور.
لم يحاول الفيلم أن يقدم شخصية أم كلثوم بطريقة ملائكية خالية من العيوب، وإنما كانت لشخصيتها نقاطها المضيئة، وتلك المظلمة. برغم ذلك، لم نشعر أننا كرهناها، أو تغيرت في مخيلتنا، بل على العكس، سار الفيلم بشكل تصاعدي ليصل إلى مشهد يعرض لقطات حقيقية من جنازة أم كلثوم، فبكينا عليها وتأثرنا، لتصْدُق مقولتها لأحمد رامي أن ما قدماه سوية سيعيش أجيالا وأجيال، وسيحكي الناس عنه حتى بعد وفاتهما، وهذا بالضبط ما حصل.
بالنسبة لي، الفيلم كان مشهداً مهما في البداية، ومشهداً مهما آخر في النهاية. في البداية، وبينما تستعد أم كلثوم لحفل مسرح أولمبيا في باريس، يدخل مدير المسرح منزعجا شاكيا من كمّ الهتافات التي يرددها البعض في المسرح حول الحرب وفلسطين والقدس، وإنه من الأفضل لو تم إسكات هذه الأصوات حتى لا تقع أي حساسيات بين أفراد الجمهور جراء الوضع المتأزم خلال حرب 1967. حينها فقط، أدركنا حجم أم كلثوم، التي أمرت ابن شقيقتها بإلغاء الحفل، وأن يجمع العازفون آلاتهم ويستعدوا للمغادرة. في المشهد الذي يليه مباشرة، نرى أم كلثوم وهي تتوجه إلى المسرح بعد أن خضع مدير المسرح لأمرها بأن للجمهور حرية التعبير عما شاء، خصوصا خلال الحرب.
في المشاهد الأخيرة، ركز الفيلم على المجهود الحربي الذي ساهمت فيه أم كلثوم، عبر غنائها في المحافظات المختلفة، وحشد الدعم المادي والعيني لمساعدة الجيش المصري في حربه ضد إسرائيل، فجمعت من الذهب فقط ما يعادل 4 مليارات جنيه مصري بحسب الفيلم، كما أن وجودها وحفلاتها وحديثها إلى الناس كان تحفيزا للمصريين على الوحدة والتفكير بالوطن.
هذه المشاهد كلها جعلتني أفكر: من هي الشخصية الفنية اليوم التي تمتلك هذه القوة والسلطة لتحرك شعوباً بأكملها؟ وهل اختلف الزمن اليوم فأصبحت الظروف غير متاحة لإنتاج شخصية مثل أم كلثوم؟ لا ننكر أن لها صوتاً قوياً لا يشبه أي صوت آخر، ولكنها أيضاً ولدت في زمن لم تحظ فيه النساء بنفس الحقوق اليوم، وفكرة الانتشار والشهرة كانت صعبة وبالأخص على فتاة من الريف. لكن في نفس الوقت، اليوم لدينا أدوات ومنصات إن توافرت لأم كلثوم قد تحقق انتشاراً غير مسبوق يتجاوز الحدود والقارات. ما ينقصنا اليوم هو الإرادة الجمعية، والإحساس بالانتماء، والاتفاق على شخصية محركة لعواطف الشعوب وأفعالها، فاليوم، كل يغرد وحده، ومن يغردون يتم إسكاتهم وتقييد حركتهم وأصواتهم.
في حروب وأزمات وانتفاضات سابقة، كان الفن يهب ليعبر عن التضامن مع قضايا الإنسان، ولتكون الأغنية والكلمة واللحن والصورة هي أداة الفنان في بث شعور الوطنية والوحدة بين الشعوب. أستغرب أننا ومثلا في الحرب الأخيرة على غزة لم نر أياً من ذلك، فاستكمل الفن وغالبية الفنانون حياتهم وكأننا نعيش في فقاعة بعيدا عن ما يجري في فلسطين أو لبنان أو أي مكان آخر يعاني فيه الإنسان.
قد يقول البعض إن مواقع التواصل الاجتماعي وضعت شكلا جديدا للتضامن والتعبير الحر. بكل بساطة، المنشور لا يقارن بأغنية، والفيديو القصير جدا لا يقارن بفيلم أو مسلسل.
أم كلثوم كانت حالة استثنائية، وعاشت في ظرف استثنائي، ولكن هل من الصعب أن يتكرر؟ الإجابة هي لا، يمكن أن تتكرر بأشكال متنوعة وجديدة، لكن الأساس فيها هو الإرادة.
قد يهمك أيضاً
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير




