اخبار العرب -كندا 24: الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 04:15 مساءً قادة سوريا وخطوات مثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين
كان خير الله ديب يريد وعداً بالعفو حتى يخرج من مخبئه. ديب العلوي، اختفى عن الأنظار لأسابيع بعد أن شنّ مسلحون علويون انتفاضة في مارس (آذار) ضد الحكومة السورية الجديدة. لم يحمل سلاحاً وساعد في حماية قوات الأمن الحكومية.
وتسببت انتفاضة الموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في مقتل ما يربو على 200 من قوات الأمن، وأشعلت فتيل أعمال انتقامية استمرت أياماً، وهو ما جعل ديب يعيش في خوف.
وأدّت عمليات نفّذتها قوات تابعة للحكومة إلى مقتل ما يقرب من 1500 علوي، ودفعت عشرات الآلاف إلى الفرار خوفاً على حياتهم. وانهارت مع هذه الأحداث العلاقة الهشّة بين العلويين، الطائفة التي ينتمي إليها الأسد، والحكومة الجديدة.
ومنذ ذلك الحين، تحاول الحكومة الجديدة تدارك الضرر من خلال منح العفو لأشخاص، مثل ديب وغيره ممن انجرفوا إلى أعمال العنف في مارس، وتقديم مساعدات اقتصادية محدودة للطائفة العلوية بشكل عام.
رافقت «رويترز» فريقاً من أعضاء اللجنة الحكومية المُشكلة للإشراف على هذه العملية في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، وتحدثت إلى عشرات العلويين الذين تلقوا دعمها، وإلى 15 مسؤولاً أمنياً سابقاً من العلويين يعملون حالياً مع الحكومة السورية. وتُعرف هذه الهيئة رسمياً باسم «اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي».
تحدثت اللجنة والمستفيدون منها عن محاولة ناشئة ومثيرة للجدل لكسب ولاء العلويين في سوريا، الذين عانى كثيرون منهم من الفقر تحت حكم الأسد، رغم تمتعهم بامتيازات في الوظائف الحكومية نظراً لانتمائهم الطائفي. ويمكن أن يُسهم كسب ولائهم في تمكين الحكومة الجديدة من بسط سيطرتها على المنطقة، وإظهار تقدم صوب تحقيق تعهد الرئيس أحمد الشرع بخدمة جميع السوريين.
يدير هذه المبادرة قادة سابقون في طرفي الحرب السورية التي استمرت 14 عاماً، وتقدم المبادرة مساعدات مالية وفرص عمل وخدمات طبية لمئات العلويين، بمن فيهم عشرات حاصلون على عفو مقابل تعهدهم بعدم القتال مجدداً، أو بالمساعدة في ثني آخرين عن حمل السلاح.
وردّاً على أسئلة من أجل هذا التقرير، قال عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان لـ«رويترز»، إن الحكومة تسعى لتحقيق التوازن في جهودها تجاه العلويين والاحتياجات الواسعة للشعب السوري عموماً، بمن فيهم السنة المتضررون من نظام الأسد. وأضاف في مقابلة: «هناك توازن يجب أن نحققه» للتأكد من أن يشعر الجميع بالمعاملة العادلة.
وأقرّ صوفان بوجود بعض الغضب الشعبي إزاء تعاون السلطات الجديدة مع أعضاء من المؤسسة الأمنية للدكتاتور المخلوع. لكنه قال، إن القيادة السورية ترى الأمور من منظور أوسع. وأضاف: «يجب على الشعب السوري أن يمضي قدماً. هذا لا يعني قبول الجرائم الكبرى التي وقعت. تجب محاسبة من ارتكبوا جرائم خطيرة. لكن الغالبية العظمى من السوريين أبرياء».
وكان ديب أحد المستفيدين من هذا النهج المتسامح. ونفى مشاركته في أي أعمال عنف خلال انتفاضة مارس. وقال إن دوره اقتصر على التواصل، وإنه ساعد أيضاً في إنقاذ حياة العشرات من قوات الأمن الذين احتجزهم المسلحون رهائن، وتوسط في عودتهم. وأكد مسؤول حكومي مطلع على جهود وساطته الرواية.
وقال ديب، من مقهى افتتحه في القرداحة، مسقط رأس الأسد، بأموال من اللجنة: «قررت أن أفعل شيئاً من أجل المستقبل».
ووجدت «رويترز»، خلال زيارة رتبتها اللجنة، أن المقهى يرتاده الطلاب والباحثون عن فرص عمل وكبار السن. وساعد المقهى ديب على جمع ما يكفي من المال للتقدم لخطبة فتاة، وهو أمر لم يكن بمقدوره تحقيقه في ظل حكم الأسد. كما يخطط لإنجاب أطفال. وقال: «بس بدي بنات. ألطف وأجمل... الأولاد دائماً يريدون حمل السلاح».
صناع سلم غير متوقعينالقائمون على اللجنة لديهم تاريخ في ميادين القتال. فصوفان، وهو سني من اللاذقية، قائد سابق في صفوف المعارضة المسلحة. وخالد الأحمد، ساعد الأسد على استعادة أراضٍ خلال الحرب عبر اتفاقيات استسلام «مصالحة» مع فصائل المعارضة، قبل أن يدب الخلاف مع الرئيس المخلوع، وفي النهاية قرر دعم الشرع، صديق طفولته.
أما رجل الأحمد على الأرض فهو فادي صقر، العلوي الذي قاد مجموعة مسلحة موالية للأسد سيئة السمعة تُعرف باسم «قوات الدفاع الوطني»، التي اتهمتها منظمات حقوق الإنسان بارتكاب مجازر وجرائم نهب وانتهاكات. وأدرجت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صقر في قائمة للعقوبات لدوره في مذابح وقعت خلال الحرب. ونفى صقر أي دور له في تلك الجرائم في تصريحات لـ«رويترز»، لكنه أحجم عن الإجابة على مزيد من الأسئلة.
وأقرّ صوفان بأن الحكومة السورية تتعاون مع صقر، قائلاً إنه ساعد في منع إراقة الدماء عند سقوط الأسد. وأثار التعاون مع صقر انتقادات للجنة، بوصفها محاولة سطحية من الحكومة الجديدة لترسيخ حكمها، بينما تسمح لشخصيات النظام السابق سيئة السمعة بالإفلات من العقاب.
وقال أسامة عثمان، الذي ساعد قبل أكثر من عقد مضى في تسريب آلاف الصور، المعروفة باسم ملفات قيصر، لمعتقلين قضوا نحبهم في سجون الأسد: «من أنتم لتسامحوا من قتل أبناءنا بأبشع الطرق. وبالعكس، تجعلونهم رموزاً للسلم الأهلي».
وتقول الحكومة إن المرشحين لنيل العفو «يخضعون للتدقيق، لضمان عدم العفو عن أي شخص ارتكب جرائم خطيرة خلال الحرب». إلا أن العملية نفسها تتسم بالغموض. وتقول «الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، إن سلطة اللجنة في منح العفو والإفراج عن المعتقلين تقوض الشفافية والمساءلة واستقلال القضاء.
وقال جريجوري ووترز، الباحث البارز في برنامج سوريا التابع للمجلس الأطلسي: «أسهمت جهود فادي صقر بشكل كبير في الحفاظ على السلام الظاهري، لكنها لم تُسهم بالقدر الكافي في تهدئة المخاوف وبناء الثقة وسط السكان المحليين، مقارنة بمبادرات شعبية أخرى تعمل مع المسؤولين المحليين».
ويعارض عمل اللجنة كثيرون من أفراد الطائفة العلوية، ومنهم أصحاب مواقف متشددة يرون التعاون مع السلطات السورية ذات التوجه الإسلامي خيانة عظمى.
وأفاد أفراد على صلة باللجنة، لـ«رويترز»، أنهم يدركون احتمال أن يستهدفهم مسلحون علويون، وقد اغتيل مرشح علوي «من طرطوس» في انتخابات برلمانية نظمتها الدولة في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وفيما كانت «رويترز» تُغطي عمل اللجنة في الدالية، وهي قرية جبلية نائية وخلابة انطلقت منها انتفاضة مارس، قالت صفحة علوية مناهضة للحكومة على «فيسبوك»، إن صقر جلب الصحافيين إلى هناك ضمن مخططات «قذرة»، وتعقبت سيارة ذات نوافذ معتمة الصحافيين إلى خارج القرية قبل أن تُحذرها دورية أمنية حكومية في نهاية المطاف.
ولم يكن صقر موجوداً في مهمة التغطية الصحافية، لكن أعضاء فريقه المعني بالسلم الأهلي، كانوا على مقربة من المقابلات التي أجريت مع السكان. وتواصلت «رويترز» لاحقاً مع هؤلاء السكان عبر الهاتف.
تسرعت وتهورت!رأى بعض العلويين في البداية، أن الإطاحة بالأسد العام الماضي فرصة لأبناء طائفتهم الذين يعاني كثيرون منهم من الفقر المدقع. ووقّع عشرات الآلاف من الجنود السابقين اتفاقيات تسوية مؤقتة مع الحكومة الجديدة وسلّموا أسلحتهم.
لكن شعورهم بالتهميش والخوف زاد عقب عمليات التسريح الجماعي ومقتل علويين في الأشهر اللاحقة. ثم زادت أحداث الساحل التي وقعت في مارس من انعدام الثقة.
وقال محافظ طرطوس أحمد الشامي، لـ«رويترز»، إن اللجنة منحت عفواً عاماً لما لا يقل عن 50 علوياً على صلة بأحداث الساحل، في بادرة حسن نية.
وقال الشامي: «قلنا لكل واحد منهم: أنت رجل تسرعت وتهورت. نحن سنكون رحيمين بك وسنعطيك فرصة ثانية لكي تثبت أنك ستمشي بالاتجاه الصحيح».
وأفاد مسؤول في اللجنة بأنها أطلقت سراح مئات الجنود من عهد الأسد، الذين قُبض عليهم بعد الإطاحة به، ورتب أكثر من 90 زيارة عائلية لبضعة آلاف من المحتجزين الآخرين.
وقالت أم لـ3 جنود سابقين مسجونين، إنها تمكنت من زيارة أحدهم في سبتمبر، وإن اللجنة تكفلت بتكاليف السفر التي كانت قليلة لكن الأم لم تتمكن من تحملها.
وأضافت الأم، التي طلبت عدم كشف اسمها، إن رؤية ابنها من وراء الزجاج آلمتها. مشيرة إلى أنه لم يُسمح لها إلا بإعطائه ملابس داخلية. وقالت باكية: «بعد ما شافوا سوريا الجديدة. ما بيعرفوا شي. بس بيعرفوا أنهم بالسجن».
ووفقاً للشامي، وبيان صادر عن قادة الأمن في اللاذقية وطرطوس، يقدم المقاتلون الحاصلون على العفو معلومات عن أشخاص ربما يخططون لهجمات، ويساعدون السلطات في العثور على مخابئ سرية للأسلحة الخفيفة والذخيرة. كما أنهم يقنعون آخرين بعدم القتال.
وبعد التوصل إلى اتفاق تسوية في أبريل (نيسان)، نال أحد المقاتلين السابقين التابعين لصقر فرصة عمل في النجارة. ورغم قوله إنه لا يزال يرغب في الثأر لدماء العلويين التي أُريقت، قال المقاتل، الذي طلب عدم كشف اسمه خشية الانتقام، إنه «لا أحد يرغب في القتال بعد الآن». وأضاف لـ«رويترز»: «الناس تعبوا. بس بدهم أمن ويطعمون أولادهم».
جهود رمزية وقيود ماليةقال سكان علويون في منطقة الساحل، إن الجهود المبذولة ضئيلة للغاية لمعالجة الأضرار الجسيمة التي خلفتها أحداث الساحل، فضلاً عن الفقر المستشري وانعدام الأمن المستمر في المناطق الساحلية. وأقرّ صوفان بوجود قيود مالية. وقال لـ«رويترز»: «فيه شريحة واسعة ما عم بيتم الوصول إليها بسبب الوضع الاقتصادي. فهي عم بتكون أقرب إلى الحل الرمزي ينقي الأجواء ويصححه».
وبعد مرور أكثر من 9 أشهر على أعمال العنف، تقول اللجنة إنها لم تُرمّم سوى أقل من 10 في المائة من نحو ألف منزل متضرر.
وقال أسامة طوير، وهو علوي عمره 32 عاماً من ريف جبلة، إن 13 من منازل عائلته أضرمت فيها النيران، وسُرقت ماشيتها في مارس الماضي. وأضاف أن اللجنة لم تتمكن من العثور على اثنين من أقاربه مفقودين منذ ذلك الحين.
وبدأت اللجنة إجراء إصلاحات أساسية في بعض منازل أقاربه، لكن بعد زيارة «رويترز» في سبتمبر، قال طوير إن أعمال الإصلاح توقفت تماماً. وأضاف أن المخاوف من تجدد العنف تجعل السكان يتجنبون التردد على ورشته، ما أدى إلى انخفاض دخله بشكل كبير. وقال: «بعد الساعة السادسة... إذا بييجي أخوي ويدق على الباب ما بفتح».
وسلّطت مظاهرات العلويين في الأيام الماضية، والشهر الماضي، الضوء على التحديات التي تواجهها اللجنة. ففي 28 ديسمبر (كانون الأول)، هتف آلاف العلويين مطالبين بحكم لامركزي والإفراج عن المعتقلين.
لم يدم احتجاجهم سوى ساعة قبل خروج مظاهرة مؤيدة للحكومة. وفضّت قوات الأمن ذلك الحشد بإطلاق أعيرة نارية، كما حدث في احتجاج آخر الشهر الماضي رفع مطالب مماثلة.
وبدأت السلطات محاكمات علنية، مؤخراً، بشأن أعمال العنف في مارس، وتعدّ نتائجها اختباراً حقيقياً للمساءلة في سوريا الجديدة.
وقال وائل حسن، وهو مزارع عمره 59 عاماً، تعهدت اللجنة بترميم منزله المحترق، لـ«رويترز»: إن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تتمكن جميع الطوائف السورية من العيش معاً دون خوف.
وأضاف: «هلق بعيدين (عن السلم الأهلي). داخلياً وباطنياً جاهزين... بس يكون فيه عدالة وقانون بينتهي كل شيء».
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير


