اخبار العرب -كندا 24: الأربعاء 10 ديسمبر 2025 12:27 مساءً بعد مسيرة سينمائية حافلة ناهزت الـ6 عقود، اعتلى أسطورة التمثيل العالمي أنتوني هوبكنز خشبة مسرح مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، مساء الأربعاء؛ ليقدّم حواراً ممتداً حمل مزيجاً من الفكاهة، والفلسفة، والذكريات المهنية النادرة، وعلى امتداد ساعة كاملة، بدا هوبكنز الذي تجاوز الثمانين من العمر حاضر الذهن؛ ومستعداً لمراجعة مسيرته، وكشف عن نظرته الخاصة للتمثيل والكتابة والموسيقى، وعن تفاصيل شخصيات خالدّة صنعت ذاكرة السينما العالمية.
هوبكنز، الفائز بجائزتي أوسكار أفضل ممثل عن دوريه في «صمت الحملان» (1991) و«الأب» (2020)، وضع إطاراً واضحاً لرحلته الفنية، قائلاً إن «حياته جاءت أبعد بكثير من توقعاته»، وإنه لا يزال يشعر بأن «شخصاً آخر كتب له هذه المسيرة»، وبدت لغة الاندهاش هذه مفتاحاً لفهم علاقته بالفن، وباختياراته التمثيلية، بل وحتى بحياته الشخصية.
تحدث هوبكنز بإسهاب عن شخصية «هانيبال ليكتر»، أحد أكثر الأدوار حضوراً في ذاكرة السينما والتي قدمها في فيلمه «صمت الحملان»، وأعطى قراءة مختلفة لطريقة بناء الشخصية، مبيناً أنه «لم يحاول فهم الشر بقدر ما حاول تجسيد آلة تعمل دون مشاعر». ورأى أن جاذبية ليكتر تكمن في أنه مثل مفيستوفيليس (اسم للشيطان)، يعرف نقاط ضعف الإنسان، ويدرك عمق هشاشته. كما كشف عن أن مشهد النظرة الثابتة الشهيرة في الفيلم بُني على ملاحظة بسيطة، وهي «إذا حدّقت في كلب أو قط دون أن ترمش... يشعر بالخوف... إنها قوة العين».
بين التاريخ والخيالوحين سُئل إن كان يفضل أداء شخصيات مستندة إلى مصادر تاريخية أو الشخصيات الخيالية، قال جملة لافتة: «كل الشخصيات خيالية... ونحن أيضاً خياليون!». وأوضح أنه لا يغوص في الأبحاث المطوّلة عند تحضير أدواره، حتى في شخصية معقدة مثل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. وأضاف: «أقوم بالقليل من البحث فقط؛ لأن كثرة المعرفة تربك العقل.. يجب أن يكون الدماغ حراً من الفوضى».
ويرى هوبكنز أن أداء الشخصيات التاريخية هو عملية إعادة اختراع، وليست محاولة لمحاكاة الواقع، قائلاً: «نيكسون الذي لعبته ليس الرجل الحقيقي. إنه نسخة أوليفر ستون». وفي إحدى قصصه الطريفة، تحدث عن يوم اختبار المكياج لدور نيكسون، حين وضع فريق العمل أنفاً اصطناعياً له، فوجد نفسه بعد إزالة الأنف يرى في المرآة ملامح الشخصية تظهر فجأة. قائلاً: «قبعة أو حذاء أو لمسة مكياج... شيء صغير ينقلك فجأة إلى روح الشخصية».
والمحور الأكثر قوة في حديث هوبكنز كان عن الخوف، حيث بدا لافتاً أن الأسطورة حامل وسام الإمبراطورية البريطانية «سي بي إي» يقول: «إن خوفه من الفشل رافقه طوال حياته، لكن مواجهته تكوّنت عبر سلسلة من الدفعات التي تلقّاها من مخرجين وممثلين وقفوا بجانبه». وروى هوبكنز قصة مؤثرة عن أحد الممثلين الأميركيين الذي حاول تحطيمه أثناء تدريبات فيلم «نيكسون»، وكيف ذهب إلى أوليفر ستون يطلب أن يُستبعد من الفيلم لأنه لا يشعر بالقدرة على أداء الدور. فجاء رد ستون صارماً: «أنت لن تذهب إلى أي مكان. ستقوم بالدور... سواء كان نجاحاً أو فشلاً ذريعاً».
وفي سؤال من إحدى الحاضرات عن كيفية التحرر من الخوف في الثقافات المحافظة، قدّم هوبكنز الذي يُعدّ أكثر الممثلين البريطانيين شهرة وغزارة في الإنتاج، واحدة من أكثر إجاباته صراحة، قائلاً: «عندما نكون أطفالاً، نحن دائماً نبدو حمقى.. ثم نكبر، ونخوض تجارب غبية وخطرة... هذه هي الحياة!». وتابع: «لا يمكن أن تطلبوا من الطفل ألا يتحرك أو ألا يتحدث... يجب أن تجرؤوا على فعل الأشياء... حتى لو ضحك الناس عليكم».
وفي محور آخر، تحدث هوبكنز عن شغفه بالموسيقى، وبأنها الفن الأقرب إلى روحه، وأن زوجته كانت الدافع الأول خلف دخوله هذا المجال، وأخبر الجمهور أن زوجته دفعته للكتابة والتأليف والرسم، رغم أنه لم يكن يؤمن بقدرته على أي من هذه المهارات، حتى عزفت أوركسترات عالمية أعماله في الرياض عام 2023، وقال مستشهداً بشوبنهاو:ر «الموسيقى تتجاوز التجربة الإنسانية... لا يمكن وصفها بالكلمات».
وخرج الجمهور من الجلسة وفي ذهنه صورة جديدة لهوبكنز: ليس فقط الممثل العبقري الذي قدّم «هانيبال ليكتر»، و«نيكسون»، و«أودين»، بل حكيمٌ يتأمل الحياة والفن والموسيقى بشفافية مدهشة، في جلسة حملت مزيجاً من الدعابة، والفلسفة، والتمرد، وانتهت بتصفيق طويل لرجل تجاوز الشهرة ليصل إلى مرحلة أكثر هدوءاً وعمقاً... مرحلة يسميها هو «معجزة الوجود».
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير





