كتبت: كندا نيوز:الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 07:58 صباحاً حصدت ماريا القنب في وادي أوكاناغان بمقاطعة بريتش كولومبيا عام 2023 كعاملة مهاجرة، وتتذكر أنها فوجئت عندما دعاها صاحب العمل مع صديقتين إلى العشاء في منزله بالجبال القريبة.
كان مساء مليئا بالرقص والشرب والجلوس في حوض ساخن – رفاهية نادرة بالنسبة للمكسيكية البالغة من العمر 28 عاما آنذاك، والتي تقول إنها كانت تعيش في مقطورة ضيقة في المزرعة حيث تعمل.
وشعرت بالسكر، فذهبت للنوم وحدها في غرفة نوم قريبة.
وتقول إن ذاكرتها التالية كانت لصاحب العمل فوقها، يقبّلها رغما عنها ويفعل “أشياء كثيرة بجسدها”.
وأضافت: “كنت أتمنى أن أستطيع دفعه أو ضربه لكنني لم أستطع.. كنت أتمنى أن أحمي نفسي”.
ماريا واحدة من عشرات الآلاف من حول العالم الذين يأتون إلى كندا كل عام لحصاد ومعالجة الفاكهة والتبغ والخضروات ومحاصيل أخرى، وغالبا ما يعيشون في مساكن مؤقتة ويعملون أياما طويلة شاقة في حر الصيف، غالبا مقابل الحد الأدنى للأجور.
برنامج العمالة الأجنبية المؤقتة والجدل الشعبي
في العام الماضي، عمل نحو 80 ألف مهاجر في وظائف زراعية ضمن برنامج العمالة الأجنبية المؤقتة في كندا، وهو برنامج مثير للجدل صُمم جزئيا لسد فجوة العمالة التي تركها الكنديون غير الراغبين أو غير القادرين على القيام بأعمال المزارع.
ويوفر البرنامج للعمال الأجانب فرصة لدعم أسرهم بشكل أفضل مما يمكنهم في بلدانهم، بينما يعد موردا أساسيا لنظام إنتاج الغذاء في كندا، ونسبة صغيرة جدا منهم تصبح مقيمة دائمة.
ولكن البرنامج يعرض كثيرا من العمال المهاجرين لمخاطر صحية واستغلال مالي وإساءة جسدية، وفقا لمكتب الصحافة الاستقصائية (IJB) الذي عمل مع باحثين من جامعة سيمون فريزر لإصدار تقرير عن تجارب العمال الزراعيين في بريتش كولومبيا.
وقال عامل جامايكي يبلغ من العمر 37 عاما وأب لطفلين جاء إلى بريتش كولومبيا هذا الصيف: “هذه هي العبودية الجديدة”، واصفا ظروفا “مزرية” شملت غياب المياه الساخنة، وأضاف: “إنهم جميعا يستخدموننا”.
وكثير من العمال الذين تمت مقابلتهم اشتكوا من نظام تصاريح العمل الذي يربطهم بصاحب عمل واحد، ويخفق في تطبيق معايير العمل الأساسية، ويستغل أشخاصا ضعفاء غالبا لا يعرفون حقوقهم.
وقال عامل من غرينادا يعمل منذ 2018 في أونتاريو وبريتش كولومبيا: “إنها قاعدة سيئة.. إذا لم نُعامل بعدل في موقع عمل، يجب أن يكون لدينا خيار التقديم أو البحث عن وظيفة أخرى ونحن في كندا”.
وأفاد تقرير لجنة بمجلس الشيوخ العام الماضي أن “الغالبية الساحقة من العمال المهاجرين والمدافعين عنهم والأكاديميين والاقتصاديين” أكدوا أن تصاريح العمل الخاصة بصاحب عمل واحد هي “أكثر شروط الضعف فداحة”، ودعا التقرير الحكومة إلى إلغائها تدريجيا.
وردا على ذلك، قال متحدث باسم وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة إن العمال الأجانب المؤقتين “لديهم نفس معايير العمل والحقوق والحماية بموجب القانون الفيدرالي والإقليمي والمحلي مثل المواطنين والمقيمين الدائمين”.
ولكن بيانات إحصائية أظهرت أن 6% فقط من العمال الذين جاؤوا بين 2005 و2009 ضمن برنامج العمالة الموسمية الزراعية حصلوا على إقامة دائمة بعد عشر سنوات.
ووصف محامٍ في مركز العمال المهاجرين الوضع قائلا: “كل شيء يتلخص في أنكم بلا وكالة.. نحن نسيطر عليكم، بل نملككم”.
وخلص تقرير للأمم المتحدة عام 2023 إلى أن برامج العمالة الأجنبية المؤقتة في كندا هي “أرض خصبة لأشكال حديثة من العبودية”، وأوصى التقرير بإنهاء تصاريح العمل الخاصة بصاحب عمل واحد وضمان مسار واضح للإقامة الدائمة.
ولكن هذه المقترحات تواجه قلقا شعبيا متزايدا في كندا بشأن تدفق المهاجرين، فقد أظهرت استطلاعات رأي أن غالبية الكنديين يعتقدون أن البلاد تستقبل عددا كبيرا جدا من المهاجرين.
وأظهر استطلاع آخر أن نصف المستجيبين يرون أن الحكومة تستغل العمال الأجانب المؤقتين، وأنهم يُعاملون بظلم من أصحاب العمل.
ودعا حزب المحافظين الفيدرالي إلى “إلغاء البرنامج نهائيا”، لكنه اعترف بأن “العمالة الزراعية الصعبة” ستتطلب برنامجا منفصلا.
وأكدت الحكومة في ميزانيتها الأخيرة أنها ستخفض مستويات الإقامة الدائمة “لإعادة الهجرة إلى مستويات مستدامة”، لكنها استثنت العمال المهاجرين في قطاعات مثل الزراعة.
وقالت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إن إساءة معاملة العمال الأجانب المؤقتين “غير مقبولة ولن تُتسامح معها”، وأكدت أنها تعمل على تعزيز نزاهة البرنامج وحماية العمال.
وارتفع عدد العمال الزراعيين الأجانب المؤقتين من نحو 61 ألفا عام 2021 إلى نحو 80 ألفا عام 2024.
ولكن بيانات فيدرالية أظهرت أن 10% من أصحاب العمل غير ملتزمين بالبرنامج، وتم حظر 36 منهم وفرض غرامات تجاوزت 4.9 مليون دولار.
وقالت باحثة في جامعة فيكتوريا: “إن تصميم البرنامج نفسه يجعل العمال عرضة للاستغلال.. إنه بيئة خصبة للإساءة”.
ماريا واحدة من قلة قليلة قدمت شكوى رسمية ضد صاحب عملها، وهو ما قد ينهي وظيفتها وسكنها ورعايتها الصحية وفرصها المستقبلية.
وفي أبريل 2023، وُجهت تهم جنائية بالاعتداء الجنسي ضد صاحب المزرعة حيث عملت ماريا، وسبق أن أدينت شركاته بمخالفات في قوانين الهجرة وغُرمت بمبالغ كبيرة.
انتهاكات وغرامات حكومية
في يناير 2023، فرضت الحكومة غرامة قدرها 16 ألف دولار على شركته بسبب مخالفات، بينها اختلاف الأجور وظروف العمل عن العرض المقدم.
وفي العام الماضي، حظرت الحكومة شركته نهائيا من استخدام البرنامج وغرمتها 118 ألف دولار بسبب الفشل في منع الإساءة.
وقضى صحفيون شهرين في حقول بريتش كولومبيا وأونتاريو، وأجروا مقابلات مع عمال من المكسيك وجامايكا وغواتيمالا ودومينيكا وغرينادا.
وعبّر بعضهم عن امتنان لكندا لأنها توفر لهم دخلا يعيل أسرهم ويغطي تكاليف التعليم والعلاج، لكن كثيرين تحدثوا عن ألم ترك أطفالهم خلفهم لسنوات طويلة.
وقال عامل جامايكي يعمل منذ 2014: “ابنتي انهارت لأني تركتها وهي طفلة.. الطفل لا يفهم”.
الأجور الضائعة وظروف العمل الخطرة
أظهر تقرير جامعة سيمون فريزر أن “الأطر التنظيمية الحالية غير كافية لحماية العمال من الاستغلال”، وأن نظام التصاريح المغلقة يسمح لأصحاب العمل بالعمل بإفلات من العقاب.
وقالت أستاذة في الجامعة: “الحكومة يجب أن تضمن حماية قانونية وتسمح للعمال بتغيير أصحاب العمل بسهولة”.
وروى عامل جامايكي أنه تلقى شيكا بقيمة 193 دولارا فقط، وأنه حصل يوما على 35 دولارا مقابل ثماني ساعات عمل.
وأمرت هيئة علاقات العمل في أونتاريو المزرعة بدفع الأجور المتأخرة، لكن صاحبة المزرعة قالت إن العمال لم يعملوا بجد.
وغرمت الحكومة الشركة 105 آلاف دولار بسبب مخالفات جسيمة، بينها عدم تقديم الوثائق المطلوبة وكسر قوانين التوظيف.
وأظهر مسح أن نصف العمال واجهوا مشكلات في الأجور وظروف العمل، من تأخير المدفوعات إلى سرقة الأجور.
وقال عامل جامايكي: “لقد خدعونا ونحن نعرف ذلك”، مشيرا إلى أن صاحب العمل قلّل عدد الدلاء التي جمعوها من الكرز ليتهرب من دفع الأجر الكامل، وأضاف: “إنها أموال كثيرة”.
السكن المتدهور والعنف الجنسي والبحث عن العدالة
أوضح معظم العمال أنهم كانوا يخافون من تقديم شكاوى بسبب احتمال الانتقام من أصحاب العمل الذين يملكون سلطة على تصاريحهم المغلقة، وخلص الباحثون إلى أن هذا الخلل في ميزان القوة خلق مناخا أجبر العمال على قبول سرقات الأجور بدلا من المخاطرة بفقدان وظائفهم.
وروى كثير من العمال أيضا حوادث مأساوية مرتبطة بظروف عمل غير آمنة، من المعدات الثقيلة إلى التعرض للمواد الكيميائية، قالوا إن التدريب والمعدات الوقائية غالبا ما يتم تجاهلها، وأكثر من نصف المشاركين في المسح في بريتش كولومبيا أبلغوا عن مخاطر جسدية وكيميائية وبيئية، زادتها بروتوكولات السلامة غير المتسقة.
إذ كان يستيقظ عامل يُدعى لويس في الرابعة صباحا ليعمل 14 ساعة يوميا في بستان تفاح، وأصيبت يده اليسرى بجروح خطيرة عندما علقت في آلة، واضطر لإجراء عدة عمليات جراحية، وقال الطبيب: “هذه أول مرة أرى كسورا وأضرارا في الأعصاب والجلد والعضلات كلها في إصابة واحدة”.
ولم يعرف لويس حقوقه في تعويض العمال، ووجد نفسه عاجزا عن العمل أو كسب المال، وساعدته مديرة مركز العمال المهاجرين في كيلونا على تقديم بلاغ إلى وكالة السلامة، مما وفر له دعما صحيا.
وقالت: “العمال الأجانب المؤقتون يحصدون غذاءنا، ويبنون مجتمعاتنا، ويدفعون الضرائب، ويشترون السلع، ويساهمون في التأمين، لكن عندما يُصابون أو يصبحون غير مفيدين، يُتركون بلا حماية”.
وواصل لويس العلاج الطبيعي وأرسل ما استطاع من شيكات التعويض إلى أسرته في المكسيك.
أما العامل المكسيكي خيسوس، فقد انقلبت به مركبة ATV في مزرعة ببريتش كولومبيا عام 2024، وقال إنه نزف بشدة ولم يُنقل إلى المستشفى إلا بعد أسبوعين، واتهم صاحب العمل بأنه رفض نقله لتجنب “الأوراق”، لكن الشركة نفت ذلك وقالت إنها قدمت الإسعافات الأولية وعرضت نقله فورا.
وفتشت وكالة WorkSafeBC المزرعة وأصدرت 12 أمرا ضدها، بينها الفشل في توفير معدات وقاية مناسبة وتدريب كافٍ، قالت الشركة إنها نفذت إجراءات تصحيحية.
لكن العامل خيسوس قال إنه عوقب بعد الحادث بتقليل ساعات عمله وعزله، وهو ما نفته الشركة، وانتهى عقده وأُعيد إلى المكسيك، وما زال أنفه مكسورا بعد عام ونصف، مما أعاق حصوله على عمل جديد، وقال: “غادرت لأجل حياة أفضل لعائلتي، لكنني فقدت كل شيء”.
وأظهر المسح أن ربع العمال تعرضوا لمواد كيميائية بسبب ضعف التدريب ونقص المعدات، وأفاد عامل من غرينادا: “ظهرت طفوح جلدية على رقبتي ويديّ.. لم أرد أن أتكلم لأني لا أريد أن أفقد عملي”.
وصرّح عامل مكسيكي عمل سنوات في دفيئة أنه تعرض باستمرار للمواد الكيميائية دون تدريب، واليوم يعاني من حروق وتغير لون الجلد ويخشى الإصابة بالسرطان.
وقال عامل جامايكي يُدعى آرون إنه شعر بالدوار بعد العمل في دفيئة في أونتاريو عام 2023، ثم أصيب بجلطة وشلل مؤقت، وقضى ستة أسابيع في المستشفى، وأكد أن أصحاب العمل لم يوفروا تدريبا أو معدات وقاية.
وواصل آرون العمل في كندا بموجب تصريح خاص للعمال المعرضين للإساءة، لكنه لا يعرف إن كان سيبقى بعد انتهاء التصريح.
واشتكى كثير من العمال من ظروف السكن، وقال عامل غواتيمالي إنه دفع 120 دولارا شهريا مقابل غرفة مزدحمة مع 11 رجلا، بلا مياه ساخنة أو إنترنت، وأوضح آخر من المكسيك أنه عاش في مسكن بلا أدوات أو غسالة، بينما وصف آخرون أماكن أفضل مع غرف خاصة وإنترنت.
وأكدت وزارة العمل أن معايير السكن مسؤولية مشتركة بين المقاطعات والفيدرالية، لكن ثلث العمال أبدوا استياءهم من السكن المزدحم والمتدهور.
وأظهرت الأبحاث أن التحرش والعنف الجنسي متفشيان في القطاع الزراعي، خاصة ضد النساء بسبب اختلال ميزان القوة، وقالت الباحثة فيكتوريا: “الخوف من فقدان العمل أو الترحيل يجبر النساء على الصمت”.
وبعد عامين من تقديم شكوى رسمية، قالت ماريا إنها ما زالت تسعى للعدالة، وروت كيف بدأ الأمر بعمل شاق في المزارع، ثم تلقت وعودا من صاحب العمل بمساعدتها في أوراق الهجرة، قبل أن تتحول الدعوة إلى العشاء إلى ليلة رعب.
وأشارت إلى أنها ذهبت إلى المستشفى وقدمت بلاغا للشرطة، وحصلت على دعم من ناشطين، وعادت إلى المكسيك لكنها تواصل التعاون مع الادعاء الكندي.
وقالت: “كان لدي توقعات كبيرة عن كندا، لكنني أصبت بخيبة أمل.. كنت مدمرة من الداخل”.
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير. c 1976-2016 Arab News24 Int'l - Canada : كافة حقوق الموقع والتصميم محفوظة لـ أخبار العرب-كندا الآراء المنشورة في هذا الموقع، لا تعبر بالضرورة علي آراء الناشرأو محرري الموقع ولكن تعبر عن رأي كاتبيها
أخبار متعلقة :