اخبار العرب -كندا 24: الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 06:39 صباحاً دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في بداياته، لم يكن الفنان الفرنسي JR سوى مراهقٍ متمرّد يحمل علبة رشّ، يخطّ بالغرافيتي على قطارات باريس. قد تبدو تلك الانطلاقة عادية أو غير لافتة، لكنها في الواقع شكّلت نقطة التقاء شغوفة مهّدت لمسيرة فنية استثنائية.
لطالما كان فنان الشارع، والمصوّر، وصانع الأفلام المرشّح لجائزة الأوسكار، مولعًا بالقطارات. وخلال تنقّلاته اليومية من ضواحي باريس المهمَّشة إلى قلب المدينة، أدرك أنه يجلس داخل "لوحة متحرّكة" قادرة على نقل الفن إلى أماكن لم يصلها الفنانون من قبل. هكذا يفسّر بداياته مع الغرافيتي، وهو الدافع ذاته الذي يجعله اليوم يترك بصمته على القطارات، لكن بروح مختلفة تمامًا.
في العام 2024، قدّم JR عمله "L’Observatoire" (المرصد)، وهو إعادة ابتكار جريئة لعربة قطار تعود إلى مطلع القرن العشرين، ضمن فعاليات بيينالي البندقية للفنون.
أصبحت هذه العربة، المصمّمة كجناح خاص بتكليف من شركة السفر الفاخرة "بيلموند"، درّة التاج في قطار فينيسيا سيمبلون–أورينت إكسبريس، الذي يجوب أوروبا عبر مسارات عدّة، أبرزها الرحلة الأسطورية بين باريس وإسطنبول.
ورغم أن القطار يُعد أصلًا واحدًا من أفخم تجارب السفر في العالم، جاءت هذه الإضافة لترفع معايير الفخامة إلى مستوى غير مسبوق. تبدأ أسعار الإقامة في العربة من 80 ألف دولار لرحلة من ليلة واحدة، لكن في المقابل، بحسب وصف JR نفسه، الإقامة في "شقة متحرّكة على سكك الحديد".
تضمّ العربة غرفة نوم، وصالة جلوس، ومساحة خاصة لتناول الطعام، إلى جانب حمّام، ومكتبة، وغرفة شاي. وقد مُنح JR حرية مطلقة لإعادة تصميم عربة النوم السابقة التي يبلغ طولها 23 مترًا. ففي إحدى الغرف، يتصدّر المشهد حوض استحمام عميق وعالي الجوانب؛ وفي المكتبة الدائرية تشكّل مدفأة كهربائية نقطة الارتكاز الأساسية؛ أما غرفة النوم فتتزيّن بنافذة سقفية دائرية تنفتح بأسلوب يحاكي شفرات عدسة الكاميرا. ويشير الفنان إلى أن هذا المشروع أتاح له تنفيذ أفكار لا يُسمح بها عادة في عربات أخرى.
يوضح JR أن معظم مشاريعه الفنية واسعة النطاق تعتمد عادة على فرق كبيرة من المتطوّعين، إلا أنه في "L’Observatoire"لجأ إلى نخبة من الحرفيين والخبراء من مختلف أنحاء أوروبا لتحقيق رؤيته بدقّة متناهية: زجاج ملوّن مرسوم يدويًا من شركة ألمانية يعود تاريخها إلى 500 عام، رخام كارارا من إيطاليا، وجدران مكسوّة بتطعيمات خشبية دقيقة.
ويضيف: "تطلّب العمل على العربة أكثر من مئة شخص، فلقد اجتمع عدد هائل من الفنانين والحرفيين لابتكار عمل سيبقى لأجيال مقبلة، وهو ما يمنحنا نوعًا من الأمل بقيمة الجمال".
تحمل العربة لمسات شخصية تُرضي الضيف والمبدع معًا؛ فحُفرت الأحرف الأولى من اسم JR على أرضية المكتبة، بينما تزيّن فسيفساء ليد الفنان أرضية كابينة الاستحمام. كما ملأ العربة بعناصر من مسيرته الفنية، من ألواح خشبية توثّق مشاهد من مشاريعه السابقة، إلى أسقف من الزنك تستحضر أسطح باريس، وصور فوتوغرافية من رحلاته حول العالم. وبين رفوف المكتبة، تنتشر كتب توثّق أعماله، من مشروعه في جزيرة إيليس بنيويورك إلى فيلم أنجزه مع روبرت دي نيرو عن والد الممثل الفنان.
ويقول JR:" أخفيت الكثير من التفاصيل في هذه العربة، ولن تُكتشف كلّها في اليوم الأول". فقد صمّم ما يشبه رحلة بحث عن "بيض عيد الفصح"، مخبّأة داخل مقصورات وألواح سرّية، من بينها كاميرته الخاصة. كما تتضمّن العربة مفاجآت تفاعلية، مثل زرّ يخفّض الإضاءة ويُشغّل كرة ديسكو وسماعات مخفية، وكأن هناك رحلة أخرى داخل الرحلة نفسها، على حدّ تعبيره.
تستقبل العربة ضيوفها منذ شهر آذار/مارس، إلا أن بعض أسرارها لا يزال غير مكتشف. ولا يزال JR يزورها من حين إلى آخر عندما تكون متوقّفة في محطة غار دو ليست في باريس، حيث يصطحب أحيانًا ابنه لتناول الشاي في عربة البار. ويقول إن ثمة علاقة خاصة جدًا لابنه بالعربة، حتى إنه يعتقد أنها غرفته الخاصة.
استضاف الفنان حفلات غداء وعشاء على متن العربة، وأمضى ساعات وحيدًا يراقب تساقط الثلوج من النافذة بينما يشق القطار طريقه عبر النمسا. ويعترف بأن جوهر الرفاهية لا يكمن في التفاصيل الفاخرة بقدر ما يكمن في التجربة بحد ذاتها. فالفخامة الحقيقية، برأيه، ليست المقاعد الجلدية أو الستائر، بل الوقت الذي يُمنح على متن القطار.
ورغم أن "L’Observatoire" رفاهية لا يستطيع الجميع تحمّلها، يؤكّد JR:"نحتاج في الحياة إلى الأحلام، إلى أشياء، حتى لو لم نلمسها يومًا، يكفينا أن نعرف أنها موجودة".
تم ادراج الخبر والعهده على المصدر، الرجاء الكتابة الينا لاي توضبح - برجاء اخبارنا بريديا عن خروقات لحقوق النشر للغير
أخبار متعلقة :